الأسرة رباط مقدّس، والمرأة عماد الأسرة، وأم للبنين، بصيانتها وحفظ كرامتها تتحقق الآمال. "إنما النساء شقائق الرجال" إنه اعتراف صريح، صدع به رسول الله صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة.
الأسرة في المنظور الإسلامي ليست قيدا وعبثا، إنما هي حتمية نفسية، مصطلحها في القرآن "الأهل" بمعنى الأنس، والمؤانسة هي الملاطفة والسكينة والطمأنينة. والمرأة هي زوج، وفي القرآن "أهل" أيضا. وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أهل" أيضا "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم"؛ ألم تكف هذه الصراحة النبوية لحقوق المرأة؟! قال الله تعالى "فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" "القصص آية 29".
الزواج ظاهرة حضارية، والإسلام اعتبر المرأة كالرجل من حيث التكريم والتشريف، ومن حيث الوظائف المكلف بها كل منهما، ومن حيث المسؤوليات الملقاة عليه، قال الله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" "التوبة آية 73". ومن شروط الزواج السكينة والمودة والرحمة، قال الله عز وجل "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" "الروم آية 20"؛ والمعاشرة بالمعروف، قال الله جل شأنه "وعاشروهن بالمعروف" "النساء آية 19" أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم. وبالنسبة للمرأة قال الله تعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" "البقرة آية 228".
مسؤولية الآباء في تربية الأولاد: إذا كان الزواج ثمرته الإنجاب، فمن الواجب حسن الاعتناء بتلك الثمرة وتربيتها تربية صالحة. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إني لا أكره نفسي على الجماع كي تخرج مني نسمة تسبّح الله تعالى".
إن العائلة المتماسكة الكيان تضمن أعلى مراتب السعادة من الثوابت، وإن الحمل الأثقل من نصيب المرأة كما ذكر القرآن، قال الله تعالى "ووصّينا الإنسان بوالديه حسنا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" "الأحقاف آية 13" فالكره هو المشقة.
وإن مشاركة المرأة لزوجها في تحمل بعض النفقات ومتطلبات الحياة العائلية أحدث تجاوبا بسبب التعاون، وأوجد تبادل الآراء، وعزّز التشارك والتعاون، وليس التنافس لغاية التفوق. فالتعاون والتحابب هما أساس استقرار العائلة وسلامتها من التفكك. فالإسلام كان صادقا وسليم الرؤى عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته" لتأليف الأسرة المتكاملة المتنعّمة بنعمة التجاوب والتفاهم والتحاور والتشاور والإستقرار..
الطفل يولد وكله استعداد ليكون عضوا في جماعة إنسانية، فالتنشئة الاجتماعية هي عملية التطبيع الاجتماعي للإنسان، أو بناء الشخصية الإنسانية التي ينمو من خلالها الفرد، من كائن بيولوجي عند مولده إلى كائن اجتماعي، يتعلم ممن سبقوه إلى الحياة، وينمي استعداداته، ويسهم في التأثير على ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه. وتعتبر العائلة هي الأساس، وبها يحتك الفرد احتكاكا مستمرا، فهي المؤسسة الهامة في نمو الطفل وتكوين شخصيته.
كما أن هناك ترابطا وثيقا بين العائلة والاقتصاد؛ واليوم حسب طبيعة العمل أصبح الوالدان معا يعملان خارج البيت، ويطول زمن فراقهما للبيت، وصار القرار العائلي يشارك فيه الزوج والزوجة والأولاد؛ وأصبح الحوار هو الأجدى والأفضل داخل الإطار العائلي. وهذا التحوّل تفرضه الحداثة التي شملت كل مظاهر الحياة.
وبما أن الأسرة المسلمة ما زالت متعلقة بقيمها الإنسانية الأصيلة، فالمطلوب التوفيق بين الأصالة والحداثة في نمط العيش بين كافة أفراد الأسرة؛ ولن يتحقق هذا إلا بالحوار الصريح وتجنّب الكتم واعتماد مبدأ الشورى في كل شيء، بدون إكراه، وبدون فظاظة وغلظة، وأن يعتمد الاحترام المتبادل بين الجميع، فلكل من الرجل والمرأة والأولاد حقه وواجبه. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بروا آباءكم تبرّكم أبناؤكم"، وقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر".
ومن هنا وجب توقير المسنين، قال الله تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" "الإسراء آيتان 23- 24". قال سقراط "لم أطئمن قط إلا وأنا في حجر أمي"، وقال شوبير "ليس هناك في الحياة امرأة واحدة تهب كل حياتها وكل حنانها وكل حبها دون أن تسأل عن مقابل إلا الأم"، وقال عبد الله بن المقفع "مستقبل المجتمع بين أيدي الأمهات، فإذا كانت المرأة سبب ضياع العالم فهي وحدها تستطيع إنقاذه".
فالمسنون والمعاقون والعجز في حاجة إلى المساعدة والاحترام والتوقير والرحمة، وكذلك الأطفال، فالطفولة عالم قريب من عالم الجنة، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأطفال دعاميص الجنة"، والدعاميص نوع من الفراشات الجميلة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا أطفال رضّع وشيوخ ركّع وبهائم رتّع، لانصبّ عليكم العذاب انصبابا" وقال النبي عليه الصلاة والسلام "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا".
المرأة إنسان لها إنسانيتها وكرامتها، والإسلام أعطى كل ذي حق حقه وراعى التطور الزمني، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال "أنتم أعلم بأمر دنياكم..". فالحياة تتطوّر، والعادات تتغيّر، والأعراف تتجدّد والإنسان هو الإنسان، قال الله تعالى "من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها" "فصّلت آية 46".
وللأم دور هام في التماسك الأسري، وترسيخ ثقافة الحوار بين الأجيال. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
فالمرأة أفضل أنيسة للرجل، وأكرم أم للأولاد، وأصدق شريك للزوج وأنفع إنسان للمجتمع. وهي القادرة على تماسك الأسرة إن علّمتها وهذّبتها وأصلحتها. والرجل هو الحكيم والرفيق الأمثل إن ساعد المرأة بلطف ورفق ولين على أداء عملها أحسن أداء، وشاركها في الجهد المبذول. والأولاد هم بسمة الأسرة، إن وجدوا الحنان والرحمة والتربية الصالحة والتهذيب الرفيع آزروا والديهم. والجميع مسؤولون ويتقاسمون العمل لتحقيق السعادة العائلية، والاستقرار والتماسك الأسري، والتعاون على البر والتقوى، وتوفير الطمأنينة للجميع.
فلكل من الأم والأب والأولاد حقوق وواجبات، وعلى كل فرد أن يسعى لتحقيق الألفة والمحبة للآخرين..
:ورد: [b]