يُعتبر ترسيم الحدود عنصر رئيسي في أي حل مبني على قيام دولتين. لقد مرّ الموقف الفلسطيني الرسمي بشأن الحدود بتحوّل جذري منذ عام 1948، وهو يمثّل تسوية كبيرة – ومؤلمة – من جانب الشعب الفلسطيني.
الانتداب في فلسطين
منذ عام 1922، شمل الانتداب البريطاني على فلسطين (كل ما هو معترف به حالياً كدولة إسرائيل إضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة). وفقاً لإحصاء عام 1922، انقسم سكان فلسطين إلى حوالي 89% من المسلمين والمسيحيين العرب و11% من اليهود.
لقد تغيّر التكوين الديمغرافي لفلسطين بصورة كبيرة أثناء الانتداب البريطاني نتيجة للاستعمار الصهيوني وسياسات الهجرة المفتوحة التي اتبعتها الحكومة البريطانية في البداية. قُدّر عدد سكان فلسطين في عام 1946 بـ 1.845.500 نسمة: 66% من العرب المسلمين والمسيحيين و34% من اليهود الذين وُلد أغلبهم في بلدان أجنبية. (الخريطة: سكان فلسطين بحسب التقسيم الفرعي، 1946). مع ذلك، وحتى
قيام إسرائيل في عام 1948، كانت الغالبية العظمى من السكان من العرب.
خطة الأمم المتحدة للتقسيم لعام 1947
أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947، في مخالفة لرغبة غالبية سكان فلسطين، بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية، دولة يهودية وجيب حول القدس وبيت لحم تحت الإدارة الدولية. مثّلت خطة التقسيم إحدى المحاولات الأولى لما استمر بأن يكون استراتيجية حالية للحدود – رسم الحدود بطريقة تمنح إسرائيل أكبر مساحة من الأرض وأقل عدد من السكان غير اليهود. على سبيل المثال، وفي محاولة لتخفيض أعداد المسلمين والمسيحيين في الدولة اليهودية، جعلت خطة التقسيم مدينة يافا العربية الواقعة إلى الجنوب من تل أبيب جزءاً من الدولة العربية مع أن يافا ستكون معزولة عن بقية الدولة.
بعد شيء من التردد الأوّلي، أعلن الصهاينة عن استعدادهم للقبول بخطة التقسيم. رفضت الجامعة العربية الخطة بالقول أن الأمم المتحدة، وخصوصاً بعد صدور القرار غير الملزم للجمعية العامة، ليس لها الحق بتخصيص 55% من فلسطين لدولة يهودية في حين أن اليهود، وغالبيتهم مهاجرون جُدد، يمثّلون فقط ثلث السكان ويملكون أقل من 7% من الأراضي.
اغتصاب الأرض وضمها للدولة اليهودية
بعد التصويت مباشرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، شرعت الميليشيات اليهودية المنظمة (التي توصف عادة بأنها مجموعات إرهابية) في حملات عسكرية منظّمة لبسط سيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من الأرض. في هذه الأثناء، سجّلت الأمم المتحدة نزوح وطرد حوالي 350.000 فلسطيني مسلم ومسيحي – كل ذلك قبل أن تبدأ الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى.
في 14 أيار 1948، وبعد أشهر من التوسّع العسكري (حتى داخل أراضي خُصّصت للدولة العربية)، تم الإعلان عن دولة إسرائيل. في اليوم التالي، حاولت ستة جيوش عربية صدّ التوسّع الإسرائيلي وهاجمت الأجزاء من فلسطين المخصّصة للدولة العربية. استخدمت إسرائيل قوة عسكرية متفوّقة لتوسيع حدودها لتتجاوز الأراضي التي خصّصتها لها الأمم المتحدة حيث طردت أو شرّدت 400.000 فلسطيني آخر. بعد انتهاء الحرب، كانت إسرائيل تُسيطر على 78% من فلسطين التاريخية – حوالي 22% أكثر ممّا خصصته الأمم المتحدة للدولة.
شكّلت الضفة الغربية (التي وقعت تحت السيطرة الأردنية) وقطاع غزة (الذي وقع تحت السيطرة المصرية) نسبة 22% المتبقية من فلسطين، ولم تكن إسرائيل مسيطرة عليهما.
بالتوافق مع استراتيجية إسرائيل في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية وأقل عدد ممكن من الفلسطينيين، قامت إسرائيل بطرد قسري أو تسبّبت بنزوح أكثر من 75% من السكان الفلسطينيين خلال الحرب. ولأنهم مسلمون ومسيحيون، لم يُسمح أبداً للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بيوتهم في الدولة "اليهودية".
بعد عام 1948، تم تدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية أو هُجّر سكانها منها في محاولة لمحو أي أثر للوجود العربي الفلسطيني.
احتلال عام 1967 – إضفاء الضبابية على الحدود
في حزيران 1967، هاجمت إسرائيل مصر، والأردن وسوريا حيث احتلت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وقطاع غزة. كما احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية. على الرغم من الادعاءات الإسرائيلية بأن الحرب كانت دفاعية، ولم تكن أبداً لدى إسرائيل الرغبة في احتلال الأراضي الفلسطينية، قامت إسرائيل بتوسيع حدود القدس الشرقية بعد مضي أسبوعين فقط على انتهاء الحرب، وفي خلال سنة شرعت ببناء مستعمرات إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لأسباب عديدة ليس هناك حدود حقيقية بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أن الحد الذي يُشار إليه في بعض الأحيان هو "الخط الأخضر". يستطيع الإسرائيليون وحملة الجوازات الأجنبية السفر بحرية عبر الخط الأخضر، والشيكل الإسرائيلي هو العملة المتداولة على كلا جانبي الخط الأخضر. معظم الخرائط الإسرائيلية لا ترسم الخط الأخضر، حيث أن إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة تعملان كدولة واحدة – لكنها دولة يتمتّع فيها اليهود بحقوق ومزايا أكبر ممّا يتمتّع به أكثر من ثلاثة ملايين مسلم ومسيحي فلسطيني.
إن أفضل مثال على رفض إسرائيل الاعتراف بالخط الأخضر هو سياسة إسرائيل في توطين المواطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة: منذ عام 2001، حوالي 370,000 مستوطن إسرائيلي يعيشون بصورة غير قانونية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، وحوالي نصف مجموع المستوطنين يعيشون في القدس الشرقية المحتلة (راجع باب المستوطنات).
تستخدم إسرائيل مواطنيها كرهائن سياسيين حيث تستدرجهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال الحوافز المالية مثل قروض سكنية بفوائد مخفّضة ومزايا ضريبية من أجل خلق "حقائق" تخدم سياسات إسرائيل التوسعية.
اتفاقيات أوسلو ومناطق أ
مثّلت اتفاقيات أوسلو نصراً لاستراتيجية إسرائيل المعروفة في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية وأقل عدد ممكن من الفلسطينيين. قسّمت اتفاقيات أوسلو الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاث مناطق، ومنحت سلطة مدنية وأمنية فلسطينية كاملة على "مناطق أ": تتكون مساحة 17.2% من الضفة الغربية من 13 منطقة محتجزة. احتوت منطقة أ على أكثر من 80% من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (باستثناء القدس الشرقية). لذلك تكون اتفاقيات أوسلو قد سمحت لإسرائيل بتقسيم الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني ليعيشوا في مناطق محتجزة، بينما يتم الحفاظ على سيطرة فعّالة على 83% من أراضي الضفة الغربية المحتلة. لم تُطبّق إسرائيل أبدا الالتزام الوارد في اتفاقيات أوسلو حول إعادة الانتشار الثالثة.
الجدار "الأمني"
بدأت إسرائيل في عام 2002 ببناء الجدار "الأمني". لو كان الجدار حقيقة متعلقاً بأمن إسرائيل، لتم بناؤه على الخط الأخضر. تقوم إسرائيل عوضاً عن ذلك ببناء الجدار داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وبطريقة تعزل المدن والقرى الفلسطينية عن الأراضي الزراعية المجاورة. هناك هدف ثنائي لبناء الجدار "الأمني": (1) مصادرة الأراضي الفلسطينية من أجل تسهيل حصول المزيد من التوسّع الاسـتيطاني وإعادة رسم حدود إسرائيل السياسية من جانب واحد، (2) وتشجيع هجرة الفلسطينيين بحرمانهم من القدرة على كسب عيشهم من أرضهم، ومنعهم من الوصول إلى موارد المياه الكافية، وتقييد حرية الحركة لديهم لدرجة تجعل البقاء في المدينة أو القرية أمراً مستحيلاً.
الموقف الفلسطيني من الحدود
لقد قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بأن يشكّل الخط الأخضر الحدود الدولية بين دولتي فلسطين وإسرائيل. بعبارة أخرى، قَبِل الفلسطينيون بإقامة دولة على 22% فقط من وطنهم التاريخي والاعتراف بوجود إسرائيل على نسبة 78% المتبقية.
يتوافق موقف منظمة التحرير الفلسطينية مع قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967، الأمر القضائي الذي أصدره مجلس الأمن لا لبس فيه: كافة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 تم احتلالها عن طريق الحرب، ويُحظر على إسرائيل قانوناً الاستيلاء (أي ضم) أي أراضي تم احتلالها عن طريق الحرب. إضافة على ذلك، يُشير تاريخ صياغة القرار إلى عدم وجود نية لدى مجلس الأمن للمصادقة على الضم الإسرائيلي لأي جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة، على سبيل المثال، أوضح السفير الهندي لدى المجلس بعبارات لا تقبل الشك أن "مبدأ عدم جواز استخدام القوة أساسي جداً في التوجّه الذي نتبعه، ولا يمكننا القبول أو الرضوخ لأي قرار يستثني أراضينا المحتلة بالقوة العسكرية من مبدأ الانسحاب"[1].
[1] قرار مجلس الأمن، الجلسة 22، الاجتماع 1382، وثيقة S/PV 1382 في الفقرة 49 (22 تشرين الثاني 1967).
[u]