العطاء
وقد طالما سمعتك يا صاح تقول متبجحاً: (إنني أحب أن أعطي، ولكن المستحقين فقط).
فهل نسيت يا صاح، أن الأشجار في بستانك لا تقول قولك، ومثلها القطعان في مراعيك؟
فهي تعطي لكي تحيا، لأنها إذا لم تعط عرضت حياتها للتهلكة.
والحق أقول لك، إن الرجل الذي استحق أن يتقبل عطية الحياة ويتمتع بأيامه ولياليه، هو مستحق لكل شيء منك.
والذي استحق أن يشرب من أوقيانوس الحياة يستحق أن يملأ كأسه من جدولك الصغير.
العمل
الحق أقول لكم: إن الحياة تكون بالحقيقة ظلمة حالكة إذا لم ترافقها الحركة.
والحركة تكون عمياء لا بركة فيها إن لم ترافقها المعرفة.
والمعرفة تكون عميقة سقيمة إن لم يرافقها العمل
والعمل يكون باطلاً وبلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة، لأنكم إذا عملتم بمحبة فإنما تربطون أنفسكم وأفرادكم بعضها ببعض ويربط كل واحد منكم بربه.
الخير و الشر
إنني أستطيع أن أحدثكم عن الخير الذي فيكم دون الشر.
لأنه، أليس الشر هو بعينه الخير المعذب من جراء تعطشه ومجاعته؟
فإني الحق أقول لكم: إن الخير إذا جاع سعى إلى الطعام ولو في الكهوف المظلمة، وإن عطش فإنه يشرب حتى المياه الراكدة المنتنة.
والحق أقول لكم: إن الثمرة لا تستطيع أن تقول للجذر: (كن مثلي ناضجاً، جميلا، جواداً، يبذل كل مافيه لأجل غيره).
لأن العطاء حاجة من حاجات الثمرة التي لا تعيش بدونها، كما أن الأخذ حاجة من حاجات الجذر لا تحيا بغيرها.
الموت
إنكم تريدون أن تعرفوا أسرار الموت،
ولكن كيف تجدونها إن لم تسعوا إليها في قلب الحياة؟
لأن البومة التي لا تفتح عينيها إلا في الظلمة، البومة العمياء عن نور النهار، لا تستطيع أن تنزل الحجاب عن أسرار النور.
فإذا رغبتم بالحقيقة في أن تنظروا إلى روح الموت، فافتحوا أبواب قلوبكم على مصارعيها لجسد الحياة.
لأن الحياة و الموت واحد، كما أن النهر و البحر واحد أيضاً.
أما خوفكم من الموت فهو أشبه بارتجاف الراعي الواقف أمام الملك عندما يرفع يمينه فوق رأسه لكي يكرمه وينعم بوسام الرضى عليه.
أفلا يفرح الراعي مع ارتعاشه لان ملكه يقلده وسام الشرف و الرضى؟
ولكن ألا يشعر مع ذلك بارتجاف جسده وخفقان قلبه؟
وهل موت الإنسان سوى وقوفه عارياً في الريح وذوبانه في حرارة الشمس؟
أم هل انقطاع التنفس، سوى تحرير النفس من مده وجزره المتواصل، لكي يستطيع أني نهض من سجنه ويحلق في الفضاء ساعياً إلى خالفه من غير قيد ولا تعويض؟